الآثار الاقتصادية للتغيرات المناخية
العالم النامي الأكثر تضررًا
يتوقع أن تبلغ الخسائر الإجمالية للظواهر المناخية العميقة 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2050.
د.نوزاد عبدالرحمن الهيتي
أستاذ الاقتصاد وخبير التعاون الدولي
شهد عالمنا المعاصر في العقد الأول من القرن الحالي ازدياد آثار التغير المناخي الناتج عن عمليات طبيعية داخلية وتغيرات في بنية الغلاف الجوي أو في استخدامات اليابسة. وتمثلت إرهاصات هذا التغير في الأعاصير، والفيضانات، وارتفاع درجات الحرارة الناجمة عن انبعاثات غازات الدفيئة التي شكلت تهديدًا للمجتمع الدولي وللاقتصاد العالمي.
تُعد مشكلة التغير المناخي مشكلة ذات خصائص فريدة، وتمثل تحديًا كبيرًا للمجتمع الدولي، إذ أثارت اهتمام جميع الأوساط الدولية والإقليمية من منظمات وهيئات دولية حكومية وغير حكومية. وتجلى ذلك في انعقاد العديد من النشاطات العالمية ذات الصلة بمظاهر التغير المناخي منها قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ في بالي بإندونيسيا 2007، قمة كوبنهاجن 2009، وآخر هذه النشاطات كان اجتماع الدول الأطراف في بروتوكول كيوتو الذي عقد بمدينة كانكون بالمكسيك خلال الفترة من 29 نوفمبر حتى 10 ديسمبر 2010، وذلك للتوصل إلى معاهدة ملزمة قانونيًا لتحل محل بروتوكول كيوتو التي ستنتهي مدته عام 2012.
إن لتغير المناخ جملة من التأثيرات السلبية في الأصعدة البيئية، والاجتماعية، والاقتصادية، ولكن يبقى التأثير الاقتصادي هو الأهم. وتتمثل الخسائر الاقتصادية الناشئة عن التغيرات المناخية في جملة من الأمور من بينها:
• التأثير السلبي المباشر على الناتج والإنتاجية من جراء التغير طويل الأجل في درجات الحرارة، وزيادة حدة حدوث الظواهر المناخية المتطرفة أو تعاقبها، لا سيما في قطاع الزارعة، وصيد الأسماك، والسياحة.
• التكاليف الناشئة عن ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة شدة الفيضانات. فحدوث ارتفاع قدره متر واحد من شأنه أن يخفض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10% في العديد من الدول كمصر، وموريتانيا، وبنغلاديش.
• استمرار التدهور في الأوضاع المالية بسبب تقلص القواعد الضريبية التقليدية، أو زيادة الإنفاق الموجه لتخفيف تغير المناخ والتكيف مع مستجداته.
• تكلفة الجهود الرامية إلى تخفيض نسب انبعاث غازات الدفيئة، بما في ذلك ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة الاستثمار.
• بروز مشكلة في موازين المدفوعات في بعض الدول بسبب انخفاض صادرات السلع والخدمات «المنتجات الزراعية والأسماك والسياحة»، وازدياد الحاجة إلى استيراد السلع الغذائية وغيرها من السلع الأساسية.
• الآثار غير السوقية السلبية التي ترتبط بفقدان التنوع البيولوجي والنظم البيئية، وآثار تغير المناخ في صحة الإنسان ونوعية الحياة.
تأثير تغير المناخ
تشير العديد من الدراسات إلى أن تأثير تغير المناخ في مختلف المناطق متشابه في توزيعه، ويتحقق ذلك عن طريق تعديل التأثيرات الإقليمية في ضوء التأثير العالمي في كل دراسة على حدة. فالمناطق التي يرجح أن تشهد أشد الآثار سلبًا مقارنة بسواها تشمل إفريقيا، وجنوب شرق آسيا، خصوصًا الهند، وأمريكا اللاتينية والدول الأوربية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). وعلى العكس من ذلك، يتوقع أن تعاني الصين وأمريكا الشمالية والدول الآسيوية الأعضاء في هذه المنظمة واقتصادات مرحلة التحول، خصوصًا روسيا، تأثيرات أقل، بل إنها قد تستفيد، وهو ما يعتمد على المدى الفعلي للاحترار.
نجد في الهند تفسيرًا للتأثير السلبي الكبير هو مخاطر الكارثة «كالتغير في نمط الأمطار الموسمية»، والأضرار التي تلحق بالزراعة، وتدهور الأوضاع الصحية. وفي إفريقيا نجد أن أهم أثر ورد تقديره في دراسة Nordhaus&Boyer هو تدهور الأوضاع الصحية الناجم عن انتشار أمراض المناطق الحارة. غير أن هناك تقديرات أحدث للآثار المرجح حدوثها عن الإمكانات الزراعية تتوقع، أيضًا، حدوث أضرار كبيرة في الزراعة. وتضررت الدول الأوروبية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ضررًا كبيرًا من تأثير مخاطر الكوارث والأضرار التي تلحق بالمناطق الساحلية.
تؤكد التقديرات الفيزيائية لتأثير تغير المناخ أن إفريقيا وآسيا معرضتان بدرجة كبيرة للمخاطر. ففي هاتين المنطقتين، سوف يواجه حوالي مليار نسمة نقصًا في المياه بحلول عام 2080، وقد يسقط أكثر من 9 ملايين نسمة ضحايا لفيضانات المناطق الساحلية. وقد يزيد انتشار الجوع بين أعداد كبيرة. وربما كانت الدول الجزرية في المحيط الهادئ أكثر الدول تعرضًا بصورة مباشرة من بين الدول الفقيرة. ذلك أن مجرد ارتفاع جديد بسيط في مستوى سطح البحر يمكن أن يؤثر تأثيرًا هائلًا في بيئة تلك الدول.
مخاطر تغير المناخ
يشكل تغير المناخ تهديدًا لدول العالم كافة، ولكن الدول النامية هي الأكثر تعرضًا للانعكاسات السلبية لتغير المناخ، إذ تشير التقديرات إلى أنها ستتحمل نحو 75? إلى 80% من تكاليف الأضرار التي تنجم عن تغير المناخ. فازدياد درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين عن درجة الحرارة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية، وهو الحد الأدنى الذي من المرجح أن يشهده العالم، يمكن أن يسفر عن تخفيض دائم للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4? إلى 5% لأفريقيا وجنوب آسيا. فالدول النامية تعتمد بشكل كبير على خدمات المنظومات البيئية ورأس المال الطبيعي من أجل الإنتاج في قطاعات تتسم بالحساسية تجاه المناخ. ويعيش الكثير من سكانها في مواقع مكشوفة طبيعيًا، وأوضاع اقتصادية خطرة وقدراتها المالية والمؤسسية على التكيف محدودة. ويشير صانعو السياسات في بعض الدول النامية إلى أنه يتم تحويل المزيد من موازناتها التنموية لأغراض التغلب على طوارئ متعلقة بالأحوال الجوية.
ستتأثر الدول التي تتمتع بمستوى دخل مرتفع، أيضًا، بظاهرة الاحتباس الحراري المعتدل. والواقع أن الأضرار بالنسبة للفرد ستكون أعلى في الدول الغنية، لأنها تُشكل نسبة 16% من سكان العالم، ولكنها ستتحمل نسبة 20? إلى 25% من الأضرار العالمية الناجمة عن أثر الاحتباس الحراري.. غير أن ثروتها الكبيرة ستجعلها أكثر قدرة على التغلب على ذلك. عمومًا نقدر أن تغيرات المناخ ستحدث أضرارًا في جميع الأقاليم والدول، غير أنها ستزيد الفجوة الكبيرة بين الدول المتقدمة والدول النامية.
تتفاوت الخسائر الناجمة عن التغير المناخي تبعًا لدرجة التقدم الاقتصادي للدول. فالدول النامية التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على إنتاج الزراعة وصيد الأسماك سوف يكون حجم الـتأثير مضاعفًا. ويقدر إجمالي خسائر الدول النامية بحوالي 89.1 مليار دولار سنويًا، أي بنسبة 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تتكبد مجموعة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) حوالي 180.5 مليار دولار أو ما يعادل 1.3% من إجمالي ناتجها المحلي. ويتوقع أن تبلغ الخسائر الإجمالية للظواهر المناخية العميقة إلى 300 مليار دولار سنويًا بحول عام 2050.
على الرغم من توصل مندوبي 200 دولة شاركت في قمة كانكون بالمكسيك عام2010 إلى نص جديد لمكافحة تغير المناخ يتضمن مجموعة من الآليات من بينها إنشاء صندوق جديد لمساعدة الدول الصغيرة، وضرورة الإبقاء على ارتفاع درجات حرارة الأرض عند درجتين مئويتين، وكذلك وضع أسس آلية تهدف إلى الحد من انحسار الغابات الذي يسهم بما بين 15? إلى 20% من انبعاثات الغازات الدفيئة، غير أننا نرى أن تخفيض الآثار الاقتصادية لتغير المناخ يتطلب تبني أسس الاقتصاد الأخضر ومعاييره التي تشجع على إيجاد مصادر جديدة ونظيفة للطاقة ذات انبعاثات كربونية منخفضة والاعتماد على أساليب تقنية للحد من انبعاث الكربون في المواصلات، وتقنيات أكثر كفاءة لاستخدام الأراضي الزراعية والحد من تعرية التربة وحماية التنوع البيولوجي.